الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

نهايات مفتوحة


بلغني أيها الملك السعيد أن هناك شخصا عزم على فراق امرأة في غاية الحسن والدلال، لكن يبدو أن الفراق هو قدر المحبِّين،
 لم يتمالك نفسه، فذهبَ في رحلة للتأمل،علّه يصل إلى حقيقة ما، لكنه اكتشف أنها قبل رحيلها  قد وزعتْ ظلالها في كل الأنحاء؛ فوق غصن شجرة يهتز مترنما باسمها، على صفحة ماء، في عيني عصفور،رحيق وردة ، إبتسامة طفل، نظرة عجوز، ضحكة غانية.....
سألَ نفسه متحيرا : كيف أسيطرت على حياتي دون أن أدرى، وأنا الذي…..؟ !!!!
 تذكر الماضي وغاص في دفاترها التي تركتها، فلما قلّبَ  الصفحات في محاولة لحل اللغز ، ظنَّ من السطور الأولى أنه قد فهمها،
لكنّ سطور النهاية كانت بمنزلة صفعة ، جعلته يفيقُ على صوت يعنّفه :" كن واقعيا فالخيال لا يدووووم"،عندها مزّق الدفاتر ، تاركا أمامه بعضا من تلك التي تحمل سطور النهايات، علّه يفهم مغزاها في يوم ما...نعم ….في يوم ما ....
- سيدي هل سيفهم ؟!!
 - ربما ، لكن ماذا عن سطور النهايات...؟

وهنا أدرك شهرزاد الصباح.. فسكتتْ عن الكلام المباح.

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

عامل نظافة


 توقفت السيارة فجأة، فلمّا نَظَرَ علي من نافذتها، التقطتْ عينُه صورةً لعاملِ نظافة، مظاهر الشقاء واضحة على وجهه المسحوب، مع حمرة ربما كانت من أثر الشمس، وشعر غزير فاحم السواد، يحمل كلَّ هذا رقبةٌ طويلةٌ، لها عروق تصرخ مستغيثة، كل صرخة تحمل لعنةً في وجه حاملها.
وبينما هو في تأملٍ لجزئيات الصورة، تساءل متحيرا:  لماذا ينظرُ هذا العامل إلى الآخرين هكذا ؟!!، ما الرسالة التي يريد إرسالها بهاتين العينين الذائغتين؟!!!، نعم هي رسالة ربما ملابس عمله تحمل جزءا منها :( بذلة زرقاء مفتوحة من جهة الصدر، في منتصفها شريط أصفر، مع حذاء أكل الزمان عليه وشرب ، ممسكا بيده جردل ماء، وفوطة (هههه خلى بالك من  العهدة) .
انظر إنه يتجه إلى مدخل إحدى الهيئات الحكومية، يا له من مدخل كبير، له ضلفتان مصنوعتان من الحديد، على جانبيه عمودان من الرخام . أرأيت إنه يقوم بغسل العمود الذي في الجهة اليسرى، يحتضنه و كأنه يبثه شكواه، يُدخل يده في الماء المخلوط بالكلور، ثم يمررها على الرخام، من أعلى إلى أسفل، والعكس.. ما هذا النشاط الذي أراه، إنه يتصبب عرقا ، هل هو راض عن عمله ؟..وإلا.. (لماذا سكتَّ أيها الفيلسوف) ، ها هى السيارة تعمل من جديد.

 ظل يفكر فيما رآه من أمر العامل ، وبركان من الأسئلة يكاد يفجر رأسه: تُرى هل هذا الرجل متزوج ؟، أ معه أولاد؟، أهو سعيد بعمله؟، أراتبه يكفى  لمعيشته؟، هل يكافئ على نشاط كهذا؟، ( خليك في حالك يا عم الغندور). ربما كان نشاطه نابعا من إيمان صادق بقيمة ما يعمل..ليتني مثله ..أنا هههه "علي" ..وأيّ علو قصدتَّ من اسمي يا أبي؟.. حتى في الأسماء نحن مجبرون علي قبولها، سامحك الله يا أبي ، أنا المعذب دائما أعيش في أوهام وخيالات ستقضي علىّ في يوم ما ...أجرى وراء طموح زائف، ما هو؟ ، لست أدرى...كاد يُجن من سيل الأسئلة المتدفق في ذهنه، أنقذه من جبروته صوت السائق يصرخ:
الشئون الاجتماعية يا حضرات.....انزلوا بسرعة.
   نزل من السيارة مستسلما، وهو يردد بيت الشعر الوحيد الذي حفظه منذ صغره :" دع الأيام تفعل ما تشاء=== وطب نفسا إذا حكم القضاء".................
   

المجموعة القصصية " دموع وشموع" للكاتب مجدى شلبى على سبيل التقديم بقلم محمد هندى

            

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم النبيين ، سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- وعلى صحبه الغر الميامين .
                        وبعد،،،،
    فالعمل الأدبى عمل وليد التجربة الإنسانية التى يمر بها المبدع ، والتى سرعان ماتتحول إلى تجربة أخرى يمكن أن نطلق عليها التجربة الفنية ؛ أى أن الذات المبدعة يتقاسمها طرفان ؛أحدهما إنسانى موضوعى ، والأخر فنى شكلى ، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ،  فالتجربة الإنسانية تظل حبيسة فى وعى صاحبها إن لم تجد صياغة فنية تتزين بها ، هذه الصياغة هى ما نسميه التجربة الفنية ، ونطلق عليها لفظ تجربة ؛ لأن المبدع يعايش فيها لغته ويقدمها لنا فى شكل جديد ، نرى من خلاله رؤيته لذاته أو للحياة بصفة عامة.

     بين هاتين التجربتين كانت " دموع وشموع "  للأديب مجدى شلبى ، تلك المجموعة  القصصية التى تنتمى إلى فن القصة القصيرة جدا، ذلك الفن الذى  يمثل اليوم ساحة كبيرة ، ينسج فى فضائها كوكبة من الكتاب المجيدين ، بغض النظر عن الموقف النقدى الذى ربما ينظر إلى فن القصة الحديثة من خلال عيني الرواية والقصة القصيرة . جاءت القصة القصيرة جدا لتعلى من حرية الكتابة  طالما كان هناك دافع وراء ذلك، فالأصل - من وجهة نظرى-  ليس بكون العمل قصة أو رواية فهذا أمر شكلى  ربما يختلف فيه النقاد ، إنما الأصل ماذا قدم لنا هذا العمل ؟ ، وإن كان هذا السؤال تقليديا إلا أنه –فى تصورى-  سيبقى دائما له اليد الطولى فى عملية الإبداع.فعلينا أن نترك المبدع حرا فى اختيار قالبه الفنى طالما يقدم لنا إبداعا له قيمة وهدف ، وأعتقد أن فن القصة القصيرة جدا على الرغم من بساطة شكلها إلا أنها قادرة على فعل ذلك.

  و من خلال قراءتى لهذه المجموعة والتى لا تعد قراءة نهائية ، أرى  أن  " مجدى شلبى"  فى هذه المجموعة ، وفى ضوء هذا الفن عبر عن ذاته وسط تصارعات سواء كانت على مستوى الذات مع نفسها أو من حيث علاقتها بمن حولها سلبا وإيجابا من خلال موضوعات مستقاة من واقعنا المعيش كما فى : قصة فكرة التى تصور علاقة المبدع  بفكرته وقلمه ، ودونجوان ، وعزا ء ، وعبث ، ومصافحة ، وتطلع ، ووظيفة ، وأكل عيش ، وشفافية ، ورحلة ، والأمل.......إلخ.
   
    وعلى الرغم من أن هذه الموضوعات مستقاة من واقعنا إلا أنه قدمها لنا فى صورة شعرية  ؛  حين يجعل الذات تسخر وتحزن وتفكر وتتطلع ، وحين يقدم المجتمع بمفهومه العام بصورة قاسية تقتل الأمل والتطلع فى نفوس المتطلعين فى ظل غياب المصداقية والشفافية.....كل ذلك وغيره قدمه لنا " مجدى شلبى"  فى صورة شكل فنى يتناسب ومقومات القصة القصيرة جدا ، وعلى رأسها الإيحاء والتلميح ، والتكثيف ، والمفارقة ، والدهشة ، والمفاجأة ، والإيقاع الحسى والحركى . إلى جانب أنها مجموعة تجعل من المتلقى مبدعا آخر ، حين يتفاعل مع النصوص لينسج على منوالها نصوصا  أخرى موازية للنص الأم، وهذا ليس غريبا على فن القصة القصيرة جدا ، ذلك الفن الذى يجعل المبدع فى حيرة من أمره . لسان حاله يقول للمتلقى: خذ فكرة واعطنى أفكارا.

  فهى مجموعة مرة توحى باليأس والضبابية والسخرية تلك التى تجعل عيوننا تنهمر بالدموع، ومرة أخرى توحى بالأمل والتفاؤل  ، وإن كان ممزوجا بالسخرية والمفارقة ؛ لنكون أمام شموع  لكنها من نوع خاص.

    
 ما بين دموع قاسية وشموع فيها بصيص من الأمل قدم لنا " مجدى شلبى" تجربته الذاتية والفنية على حد سواء . وعملا بأن النص الأدبى ما هو إلا رسالة موجهة إلى مرسل حرصت  على أن أردف هذه المقدمة بقراءة أقرب إلى الانطباعية للكشف عن جماليات التجربة التى وضعنا أمامها " مجدى شلبى " ؛  قراءة تهدف إلى إيجاد عملية التواصل بين الرؤ ى وتقريب المفاهيم...........

الأحد، 12 أكتوبر 2014

شعرية الأدب

لن نتحدث عن المفاهيم الخاصة بهذا العالم المتشعب، فحسبنا أن نقول عنه إنه عالم يسمو بأفكارنا، صديقنا الذي نركن إليه بحثا عن الجمال في أسمى صوره....
إنه الأدب الذي تكمن جماليته فى لغته الخاصة ،
ولله در " الرافعي" عندما قال : " إذا لم تكن شجرة الورد فلا تنتظر الوردة ..وإذا لم يكن النجم فلا تنتظر الشعاع ،وإذا لم يكن البحر فلا تنتظر اللؤلو ..وإذا لم يكن الكاتب البياني فلا تنتظر الأدب......"...
-إنه الأدب المعبر عن واقعنا ،لكن فى الوقت نفسه لا يقدمه - الواقع- لنا كما هو،

إنما يقدم رؤيته الخاصة لهذا الواقع عن طريق لغته وخياله الفياض
ومن هنا قال " رينيه ويلك" صاحب مفاهيم نقدية : إن الأدب أصوات تتحدث عبر الزمن.......فالأدب يعيش بيننا بلغته الخاصة ، تلك التى تعتمد على الانزياح والإيحاء.. و قد يعتمد الأدب إلى جانب اللغة على وسائل مساعدة
كالتاريخ مثلا : لكنه لا يقدم التاريخ كما هو فى واقعة وأحداثه وتفاصيله،
إنما يقدم من خلال المبدع رؤيته الخاصة لهذا التاريخ
فيظهر التاريخ فى ثوب جديد؛ثوب أدبى إبداعى بمنظوره الخاص وهكذا الحال مع علم النفس والاجتماع...لذا عندما ندرس ظاهرة أو شخصية أدبية فإننا لا ندرسها لذاتها من حيث إنها لحم ودم ، إنما ندرسها كبنية فنية قد تكون شعرية فى قصيدة أو نثرية فى رواية مثلا....فالشخصية لا تخرج عن اللغة ؛ فإذا جٌرِدتْ منها فلن يبقى أمامنا أي شيء غير بياض الورقة.
وعلى هذا كانت المناهج النقدية المعاصرة التى نادت بموت المؤلف ، وينبغى التأكيد على أنه ليس الموت المتعارف عليه أو إلغاء المؤلف نهائيا ، لكن المقصود التقليل من دورة فى تفسير النص والاتكاء على النص ذاته ، كما في شعرية الخطاب والدراسات العلاماتية ونظرية التلقى واستجابة القارئ كرد فعل على المناهج أو الطرق التقليدية التى تنظر إلى العمل الأدبي على أساس مرجعيته التاريخية والاجتماعية الصرفة...تلك الطرق التي تجعل المبدع قبلتها الأولى في تفسير النص..
وبناء على ما تقدم نقول :
- إن " صلاح الدين" فى كتب التاريخ ليس هو " صلاح الدين" فى رواية أو قصيدة ،، حتى وإن كان هناك تشابه مثلا ،فهذا أمر طبيعى لكنه تشابه جزئي ..

-كذلك الحارة المصرية في الواقع تختلف عن الحارة التى أبدعها " نجيب محفوظ." فى أعماله.

- وزرقاء اليمامة التى رأيناها عند الشاعر الكبير" أمل دنقل " فى" البكاء بين يدى زرقاء اليمامة " ليست هى التى حدثتنا بها الأخبار والقصص التراثية.....

- والقدس التى تغنى بها " تميم البرغوثى" فى " قصيدة القدس" ليست هى القدس بحذافيرها الموجودة فى الواقع ..فقدس " تميم " تتكلم وتغضب وتشم وتتحاور وتتعاطف مع الآخرين وتحنو عليهم....

ومن هنا كانت شعرية " جاكبسون" والتى تهتم بأدبية النصوص ؛ ما الذي يجعل من نص ما نصا أدبيا، فلا شئ خارج اللغة.
لذا على الناقد والباحث أن يكشف جماليات النص في ضوء: كيف رأى المبدع لغته؟وكيف عايشها ؟،،
ومتى وصل إلى ذلك عندها سيصل إلى المغزى الفكرى للنص المقدم.