الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم النبيين
، سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- وعلى صحبه الغر الميامين .
وبعد،،،،
فالعمل الأدبى عمل وليد التجربة
الإنسانية التى يمر بها المبدع ، والتى سرعان ماتتحول إلى تجربة أخرى يمكن أن نطلق
عليها التجربة الفنية ؛ أى أن الذات المبدعة يتقاسمها طرفان ؛أحدهما إنسانى موضوعى
، والأخر فنى شكلى ، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ، فالتجربة الإنسانية تظل حبيسة فى وعى صاحبها إن
لم تجد صياغة فنية تتزين بها ، هذه الصياغة هى ما نسميه التجربة الفنية ، ونطلق
عليها لفظ تجربة ؛ لأن المبدع يعايش فيها لغته ويقدمها لنا فى شكل جديد ، نرى من
خلاله رؤيته لذاته أو للحياة بصفة عامة.
بين هاتين التجربتين كانت " دموع وشموع " للأديب مجدى شلبى ، تلك المجموعة القصصية التى تنتمى إلى فن القصة القصيرة جدا،
ذلك الفن الذى يمثل اليوم ساحة كبيرة ،
ينسج فى فضائها كوكبة من الكتاب المجيدين ، بغض النظر عن الموقف النقدى الذى ربما
ينظر إلى فن القصة الحديثة من خلال عيني الرواية والقصة القصيرة . جاءت القصة
القصيرة جدا لتعلى من حرية الكتابة طالما
كان هناك دافع وراء ذلك، فالأصل - من وجهة نظرى- ليس بكون العمل قصة أو رواية فهذا أمر شكلى ربما يختلف فيه النقاد ، إنما الأصل ماذا قدم
لنا هذا العمل ؟ ، وإن كان هذا السؤال تقليديا إلا أنه –فى تصورى- سيبقى دائما له اليد الطولى فى عملية
الإبداع.فعلينا أن نترك المبدع حرا فى اختيار قالبه الفنى طالما يقدم لنا إبداعا
له قيمة وهدف ، وأعتقد أن فن القصة القصيرة جدا على الرغم من بساطة شكلها إلا أنها
قادرة على فعل ذلك.
و من خلال قراءتى لهذه المجموعة
والتى لا تعد قراءة نهائية ، أرى أن " مجدى شلبى" فى هذه المجموعة ، وفى ضوء هذا الفن عبر عن ذاته
وسط تصارعات سواء كانت على مستوى الذات مع نفسها أو من حيث علاقتها بمن حولها سلبا
وإيجابا من خلال موضوعات مستقاة من واقعنا المعيش كما فى : قصة فكرة التى تصور
علاقة المبدع بفكرته وقلمه ، ودونجوان ، وعزا
ء ، وعبث ، ومصافحة ، وتطلع ، ووظيفة ، وأكل عيش ، وشفافية ، ورحلة ، والأمل.......إلخ.
وعلى الرغم من أن هذه الموضوعات
مستقاة من واقعنا إلا أنه قدمها لنا فى صورة شعرية ؛ حين
يجعل الذات تسخر وتحزن وتفكر وتتطلع ، وحين يقدم المجتمع بمفهومه العام بصورة
قاسية تقتل الأمل والتطلع فى نفوس المتطلعين فى ظل غياب المصداقية
والشفافية.....كل ذلك وغيره قدمه لنا " مجدى شلبى" فى صورة شكل فنى يتناسب ومقومات القصة القصيرة
جدا ، وعلى رأسها الإيحاء والتلميح ، والتكثيف ، والمفارقة ، والدهشة ، والمفاجأة ،
والإيقاع الحسى والحركى . إلى جانب أنها مجموعة تجعل من المتلقى مبدعا آخر ، حين
يتفاعل مع النصوص لينسج على منوالها نصوصا
أخرى موازية للنص الأم، وهذا ليس غريبا على فن القصة القصيرة جدا ، ذلك
الفن الذى يجعل المبدع فى حيرة من أمره . لسان حاله يقول للمتلقى: خذ فكرة واعطنى
أفكارا.
فهى مجموعة مرة توحى باليأس
والضبابية والسخرية تلك التى تجعل عيوننا تنهمر بالدموع، ومرة أخرى توحى بالأمل
والتفاؤل ، وإن كان ممزوجا بالسخرية
والمفارقة ؛ لنكون أمام شموع لكنها من نوع
خاص.
ما بين دموع قاسية وشموع فيها
بصيص من الأمل قدم لنا " مجدى شلبى" تجربته الذاتية والفنية على حد سواء
. وعملا بأن النص الأدبى ما هو إلا رسالة موجهة إلى مرسل حرصت على أن أردف هذه المقدمة بقراءة أقرب إلى
الانطباعية للكشف عن جماليات التجربة التى وضعنا أمامها " مجدى شلبى " ؛
قراءة تهدف إلى إيجاد
عملية التواصل بين الرؤ ى وتقريب المفاهيم...........