توقفت
السيارة فجأة، فلمّا نَظَرَ علي من نافذتها، التقطتْ عينُه صورةً لعاملِ نظافة،
مظاهر الشقاء واضحة على وجهه المسحوب، مع حمرة ربما كانت من أثر الشمس، وشعر غزير
فاحم السواد، يحمل كلَّ هذا رقبةٌ طويلةٌ، لها عروق تصرخ مستغيثة، كل صرخة تحمل
لعنةً في وجه حاملها.
وبينما
هو في تأملٍ لجزئيات الصورة، تساءل متحيرا:
لماذا ينظرُ هذا العامل إلى الآخرين هكذا ؟!!، ما الرسالة التي يريد
إرسالها بهاتين العينين الذائغتين؟!!!، نعم هي رسالة ربما ملابس عمله تحمل جزءا
منها :( بذلة زرقاء مفتوحة من جهة الصدر، في منتصفها شريط أصفر، مع حذاء أكل
الزمان عليه وشرب ، ممسكا بيده جردل ماء، وفوطة (هههه خلى بالك من العهدة) .
انظر
إنه يتجه إلى مدخل إحدى الهيئات الحكومية، يا له من مدخل كبير، له ضلفتان مصنوعتان
من الحديد، على جانبيه عمودان من الرخام . أرأيت إنه يقوم بغسل العمود الذي في الجهة
اليسرى، يحتضنه و كأنه يبثه شكواه، يُدخل يده في الماء المخلوط بالكلور، ثم يمررها
على الرخام، من أعلى إلى أسفل، والعكس.. ما هذا النشاط الذي أراه، إنه يتصبب عرقا ،
هل هو راض عن عمله ؟..وإلا.. (لماذا سكتَّ أيها الفيلسوف) ، ها هى السيارة تعمل من
جديد.
ظل يفكر فيما رآه من أمر العامل ، وبركان من الأسئلة
يكاد يفجر رأسه: تُرى هل هذا الرجل متزوج ؟، أ معه أولاد؟، أهو سعيد بعمله؟،
أراتبه يكفى لمعيشته؟، هل يكافئ على نشاط
كهذا؟، ( خليك في حالك يا عم الغندور). ربما كان نشاطه نابعا من إيمان صادق بقيمة
ما يعمل..ليتني مثله ..أنا هههه "علي" ..وأيّ علو قصدتَّ من اسمي يا أبي؟..
حتى في الأسماء نحن مجبرون علي قبولها، سامحك الله يا أبي ، أنا المعذب دائما أعيش
في أوهام وخيالات ستقضي علىّ في يوم ما ...أجرى وراء طموح زائف، ما هو؟ ، لست أدرى...كاد
يُجن من سيل الأسئلة المتدفق في ذهنه، أنقذه من جبروته صوت السائق يصرخ:
الشئون الاجتماعية يا حضرات.....انزلوا بسرعة.
نزل من السيارة مستسلما، وهو يردد بيت الشعر
الوحيد الذي حفظه منذ صغره :" دع الأيام تفعل ما تشاء=== وطب نفسا إذا حكم
القضاء".................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق