الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

حوار شعري افتراضي

كان هذا الحوار مع الناقد والباحث المغربي الدكتور/ محمد أسليم.....حول الشعر وعلاقته بالفلسفة والأسطورة والجنون والخطابات الأخرى ، مع محاولة إيجاد حل لإشكالية التلقي المعاصر لكينونة الشعر وتذوقه، فالشعر سيبقى دائما هو المعبر عن فيض المشاعر، والذات المبدعة في شقيها الفردي والجمعي ،
إليكم الحوار:

د .محمد أسليم : يتاخِم الشعر الفلسَفةَ، إذ يُسَائل كلَّ شيء وَيُشكك فِيه، لَكنَّه يَنْأى عَنهَا بإحْجَامِه عَن بناء نظريَات وعَن مُخاطبَة العقل وَحْده، ويُتاخم الأسْطورة، إذ يَعُودُ إلى أزْمِنَة البدَايَات، لكنهُ يبتعِد عَنهَا بتجَاوُزه تفسير أصُول الأشيَاء إلى إعَادَة خَلقها، وَيتاخِم الجُنونَ، إذ يَنزَاحُ عن اللغَةِ العَاديةِ لكنهُ ينأى عَنهُ بارتِبَاطِه بالمُتلقِّي بِميثَاقٍ ضمْنيَ أو صَريح.

هندي : فلسفة -جنون- وهم- خيال- بحث عن ذات- أفكار - وصراعات..كلها رؤى تعبر عن صورة واحدة ألا وهى صورة الإنسان الباحث عن جوهره أو الباحث عن الإنسان عبر رحلته الأبدية ، من هنا يأتي الشعر وسيلة للوصول إلى ماهية هذا الإنسان المتعدد الرؤى والزوايا؛ محددا مكانه وموقعه من عالمه ، وكذا علاقته بالآخر المتعدد: الذات النفسية والذات الجماعية. الشعر يعطى حرية لصاحبة بأن يعيش عالما يسمو فيه على روح كل الأشياء، لذا يشعر الشاعر أنه مختلف عن غيره وأن عالمه يتشكل حسب رؤيته التي يؤمن بها،لكنه من خلال مثاليته يصطدم بواقعية دوما تعمل على اغترابه وكسره. حقا... الشعر يتاخم الإنسان من حيث كينونته الإنسانية.

د.أسليم :إذا جاز أن نشبه الشعر بإله، فسيكونُ بمنزلة الرب خالق أنواع الخطاب الثلاثة التي ذكرتُ، وتكون منزلتها قياسا إليه تشبه منزلة قدماء المتصوفة القائلين بالحلول قياسا إلى الله، فيكون هو [الشعر] هي [الفلسفة والأسطورة والجنون]، ولكنها ليست هو، وتكونُ هي هو، لكنه ليسَ هي... وإن شئنا الابتعاد عن هذا التشبيه الموغل في التجريد أمكن القول بكل بساطة: الشعر هو:
أ‌) إما إقامة أو موطنٌ مجاورٌ للأسطورة والفلسفة والجنون، أي أنه بمثابة كيان بارز، إن شاهدناه عن بُعد تراءت لنا حدوده جلية وواضحة، لكن متى اقتربنا منه أو دخلنا إليه، تغير الأمر وصار، بمدى الاقتراب من حدود كل جار من جيران الشعر الثلاثة، يتلاشى الفرقُ بينه [الشعر] وبين جاره،
ب‌) أو أنه ليس بإقامة ولا بموطن مستقل - يقع بين – أو ينفصل عن - الأسطورة والفلسفة والجنون، بل هو كيانٌ مجرد، بمثابة نهر، ينبع من هذه المصادر ويصب فيها في آن واحد. لكنه مع كونه جوهرا مجردا، فهو ملموس ومُشاهدٌ محسوس، هو هذه القصائد التي يبدعها الشعراء، فيكتبونها أو يلقونها علينا، بل وينشرونها في كتب ورقية أو وسائط رقمية...
بهذا المعنى، قد يكونُ الشعرُ هو خلط لأوراق الوجود، إن صح التعبير، فيكونُ مما يمكن أن يُزعج ويُقلقُ، كما يمكن أن يكون مما يُفرحُ ويُسعدُ، وتكون إحدى وظائفه هي أنه يضعنا بين المرئي واللامرئي، الملموس والمجرد، المحدود واللامحدود، اللامتناهي الصغر واللامتناهي الكبر... وبقدرته على هذا الربط، فهو يسبق العلم، ويتجاوزه، بحيثُ يصيرُ أفقا لهُ. وبذلك قد يكون الخلط الظاهري لأوراق الوجود هو في الواقع كشفٌ لوحدة الوجود العميقة التي بمقدر توغلنا في العودة إلى الأزمة الماضية تبدو جلية، وبمقدار ابتعادنا عن تلك الأزمة السحيقة واتجاهنا نحو الحاضر تبدو [تلك الوحدة] مفقودة... ألا تعمل إحدى النظريات العلمية، وهي نظرية الأوتار، منذ عقود طويلة على إيجاد ما يسمونها بنظرية الكل La théorie du tout، أو المعادلة الرياضية، التي توحد بين قوانين العالم اللامتناهي الكبر التي بدأ صياغتها إسحاق نيوتون وأكمل وضعها أنشتاين، وبين قوانين العالم اللامتناهي الصغر مجال ميكانيكا الكم وفيزيائه.

محمد هندي : ولم لا نقول إنه مرآه تمتص ما حولها وتستفيد منه وتعمل على تجميعه في بؤرتها ثم سرعان ما تقدمه في إشعاع جديد لكن بروحها الشعرية المميزة، وهذا لا ينفى أن لكن خطاب خصوصيته لكن ليست كل الخطابات قادرة على الاستفادة من غيرها.......هذ ا يعنى أن الشعر مرتبط بذات، هذه الذات روافدها متتعدة لذا من الطبيعي أن يستمد روافده منها...

د. محمد أسليم : ورد جزءٌ من هذا في كلامي السابق، لكن في الاكتفاء بتعريف الشعر على أنه كيان ينبع من خطابات مجاورة (الأسطورة والفلسفة والجنون، أساسا) مُجازفة باعتباره ينحدر منها، وأنها أصول له، والحال أنه يمكن أن يكون أصلا لهذه الخطابات الثلاثة، فتمتح بدورها منه. ألم يلتبس فكر نيتشه على الفلاسفة وفقهاء اللغة، فاعتبره الأوائل أديبا واعتبره الأواخر فيلسوفا، وكانت بداية مشواره الفكري فقه اللغة تحديدا، إذ اشتغل أستاذا جامعيا لهذه المادة، وكان هذا الحقل المعرفي يُعنى آنذاك بدراسة الأساطير أساسا؟؟؟ هذا مجرد مثال.

محمدهندي: هل يعنى أننا أمام علاقة معقدة متشابكة ؟

د. محمد أسليم : في غاية التعقيد وفي منتهى الوضوح في آن واحد!!! ويصير الأمر في غاية التعقيد أو في غاية الوضوح بحسب الموطئ الذي نضع فيه قدمنا، أو النقطة المرجعية التي نستند إليها، أو والمنظور الذي نرى الأشياء منه

محمد هندي: إّذا هذا ما يجعل للشعر مذاقا خاصا وبحرا لا يركبه إلا من يعى طبيعة أمواجه وعيا جيدا........

د. محمد أسليم هو البقية المتبقاة من إنسانيتنا (طور الانقراض؟؟) المنحدرة من عصور موغلة في القدم، يمكن الصعود بها إلى أيام كنا ذرات في الفضاء وغبارا في سديم...، والتي وحدها اللغة الشعرية، من منظور وحدة الشعر واستقلاله، تقوى على استحضارها والتعبير عنها.

محمد هندي :ربما يكون الشعر الرقمي فيما بعد تعويضا لانسانيتنا المنقرضة ؟.....وإن حدث هذا أرى أن ذاتيته ستكون جامدة..خاصة بما يتحه الفضاء الرقمي....لننتظر........

د. محمد أسليم: ربما يكون الشعر الرقمي فيما بعد تعويضا لإنسانيتنا المنقرضة ؟.....وإن حدث هذا أرى ان ذاتيته ستكون جامدة..خاصة بما يتحه الفضاء الرقمي....لننتظر.........»، فاتني هذا السؤال، لأنه وجيه ومما يقتضي قول كلمة فيه، بطرح أسئلة وصياغة فرضيات سبق أن أوردتُ بعضها في معرض التعقيب عن إدراج لي سابق، يتناول مسألة الشعر والتكنولوجيا... سأجيب عنه لاحقا، وربما أعدتُ نشر هذا الحوار في موقعي الشخصي. إلى هناك، 

محمد هندي: لكن أستاذنا اليوم حتى في دراستنا الجامعية هناك فجوة بين المتلقين وطبيعة الشعر فما سبب ذلك ؟ هل هذا راجع إلى طبيعة العقلية الثقافية اليوم حتى أن الكثيرين يجدون معاناة في فهم قصيدة مثلا سواء أكانت تقليدية أم معاصرة خاصة أن المعاصرة تلجأ في كثير من الأحيان إلى استدعاء التراث أو الأساطير وغيرها من النصوص الموازية تحت مسمى التناص أو التفاعل النصي ؟ ما سبب هذه الفجوة وما حلها........؟!!

د. محمد أسليم :في نظري المتواضع، هي واحدة من آفات تشبه الدراسات الأدبية بالعلوم واستعارتها مناهجها منها. ومناهج العلوم كانت وليدة استقلالها عن الفلسفة والإنسانيات عامة، وبقدر ما أبان هذا الاستقلال عن فعاليته تحول إلى محرك لتطور العلم، بحيث صار تقدمه، بل وبقاؤه، يتوقف على هذا التجزيء، إلى أن ظهرت تخصصات عديدة داخل التخصص الأب الواحد، وستظهر أخرى بالتأكيد. ربما يجوز أن تقترض الدراسات الأدبية مناهج العلوم، لكن إلى حدود معينة. وليس حرفيا... وباختصار، لتذليل المعاناة المصادفة في تلقي الشعر، قد يتعين عدم الاكتفاء بتدريس تاريخ الأدب والمدارس النقدية والمناهج الأدبية لطلبة كليات الآداب، فإلى جانب ذلك، يجب تدريس الأساطير وتاريخ الأديان وعلوم مثل الفيزياء والفيزياء الفلكية والبيولوجيا، الخ... بمد جسور بين الآداب والعلوم، أي دون تذويب طلبة الآداب في العلوم، فيكتفي بأن يؤخذ منها ما يفيد الأدب. فليس طلبة الآداب بمطالبين بتشخيص أمراض ولا تحرير وصفات أدوية، ولا هم آيلين إلى اكتشاف نجوم جديدة...

محمد هندي : بالفعل أستاذنا إن أردنا فهم هذا الفن علينا فهم أرضيته أولا وهذا هو لب الموضوع ، طلابنا اليوم يقرؤون القصيدة ولا يعرفون أنها نتاج ثقافات متتعددة إن اردنا فهمها جيدا فعلينا فهم هذه الثقافات لذا يحضرنى قول صلاح فضل عندما وصف الشاعر المتمكن بأنه ذلك الشاعر الذي يتميز بالموهبة والاطلاع على الثقافات والتجارب الأخرى كي يثقل تجربته الشعرية مقدما إياها في تركيب لغوي مناسب.....
سعدت بالحوار معك كثيرا أستاذنا الفاضل...تلميذك
بتاريخ :..2014....مايو



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق