الأحد، 23 نوفمبر 2014

بلا عودة



 رحلتْ ولم تترك لي سوى ورقة مكتوب فيها .........؟! ،
 خاطبتُها في لهفة: قفي قفي !!
 لكنها أسرعت في الركض ، عملتُ على ملاحقتها ، لكنّ قدمي تعثرت بحجر ؛ فسقطت أرضا ، نظرتُ إليه فى أسف.. لمَ ؟! ضحك ساخرا وقال : انظرْ .. فرأيتها سرابا يحسبه الظمآن ماء ، أمسكت به، وبغيظ شديد ألقيتُه بعيدا، عندها تذكرت الورقة، أخذت أبحث عنها ، في التفاتة سريعة وجدتُ الريح تتلاعب بها  ،،
استلقيتُ على الأرض نائحا : لم يبق لي شيئا غير ذكراك.. ردّ علىّ صدى صوتي هازئا: حتى هذا لم يعدْ ملكك يا عزيزي..

مرغتُ وجهي في التراب، وأخذتُ أتلوى وأتدحرج ، أتدحرج إلى أن اصطدمتْ رأسي بالحجر نفسه... أفقت على قوله : أتدرى " أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"...انتصبتُ صائحا  لِماذا كل هذا؟!....لا لا ...كيف؟!

سأنتظركِ... فجأة سمعت صوتا هادئا: اصْحى يابنى القطار هيفوتك ، معاد سفرك قرب....
-حاضر
 لملمت أشيائي وهمستُفي نفسي : .....سأنتظركِ!


الخميس، 6 نوفمبر 2014

المجد للملك!!!!!


      جمع أنصاره وتوجه بهم إلى قصر المملكة ، خرج الملك ليرى ما يحدث ، وسط  تجمع كثيف وقعت عينه على  أحدهم رافعا سيفه  والأصوات تتوالى من حوله  ، خاطبه الملك في سخرية  : هات ما عندك أيها الفارس ، فلم ير غير سيف موجها نحوه، شعاره : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
ارتفع الصياح من حوله، ..بعين ماكرة همس الفارس  في أذن الملك: قُضِي الأمر....

حاول الملك محاورة الجماهير، فحملت سهامهم الرد  ، عندها اعتلى الفارس الهمام المنصة خطيبا في القوم: اليوم يوم الحرية، ونهاية الظلم.. اليوم يوم الحب والتعاون ،،فلنتعانق جميعا......هدفنا واحد ، لا شيء يعلو فوق الوطن...ما أردناها حربا إنما أردنا حقا وتغييرا.......صاحت الجماهير في حماس: لن نرضى عن التغيير بديلا......(همس أحد القادة في أذن الفارس: لعبتها صح . مبروك عليك أوعى تنسانا أيها الفارس...أقصد يا ملك....ربت على كتفه مطمئنا...بعد أيام خرجت الجماهير : فارسنا المبجل، قائدنا ،وتاج رؤوسنا بايعناك على أرواحنا ،فأنت مستقبلنا، وسط هتاف صاخب، خرج عليهم في سمت و وقار فأخذ يسكرهم بكلامه المعسول (وعينه تذرف دمعا ) ...خدمتكم واجب في عنقي أرجو الله أن يعينني عليها......مرت الأيام وتقلد الحكم. والأوضاع ازدادت سوءا ، وحاشيته عاثت في المملكة  فسادا....خرجت الجماهير لتعيد الكرة من جديد، وقف أحدهم مرددا عبارات نيلسون مانديلا:"  الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم، والشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة."..خرج عليهم الملك المبجل وسط حاشيته وحراسه ، متقلدا سيفه ، صائحا بلهجة " الحجاج بن يوسف الثقفي " :" أنا ابن جلا  وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني"....(يا حوش)...قاطعه أحدهم   : أيها الملك هل نسيت كلامك عن الحرية والتغيير......في سخرية أجابه: حرية... تغير.. اقرؤوا التاريخ..... أنتم شعب لا يعرف غير الكرباج ،لأنكم .....
صاح القوم وعلت عبارات مانديلا : "الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً" ...فلما ضاق بهم ذرعا  وعدهم بحوار جماهيري، على أن يجتمعوا في ميدان الحرية ،فلما كان الأمر أصدر أوامره لحاشيته، وجنوده بالتهام كل من في الميدان... كله تمام ياملك.....على بركة الله....أقبل والبسمة تعلو شفتيه ...فلما وقف  على جثثهم.. رفع رأسه إلى السماء.ثم راح يلعنهم ويلعن حريتهم..: فاكرين إني غبي... زى اللي كانوا قبلي..  لا لا .... أفيقوا وبأعلى صوته: جنود.!.حراس! ...وزراء.!.،بسرعة البرق اجتمعوا  عن بكرة أبيهم، وبأعلى صوتهم ...أمرك ياملك... .باعتزاز صاح فيهم: من أنا؟ من أنا..؟.....سجدوا له: ملكنا ...وتاج رؤوسنا ...وسيدنا وابن سيدنا........المجد للملك....المجد للملك...

الأحد، 2 نوفمبر 2014

لقد تأخرت َ يا أبي

فجأة رن الموبايل، قاطعا صوت ضحكاتهن البريئة، وفي نشوة فرح قالتْ لهن: بس 

استنوا يا بنات باين هتفرج..في سرعة طلبتْ من االسائق خفض صوت التسجيل، 

لوّح بيده ، ثم راح يدندن أغنيته الشعبية ذات الموسيقى المزعجة ( زحمة يا دنيا

 زحمة ، زحمة وفيك العجايب )

زحمة إيه ياعم... مش كفايه اللى إحنا فيه...
-
ألو ..

-
وحشتينى يا غالية، إزيك يا أمّا.

-
  نحمده يا بنتي، ربنا يحميك وأفرح بيكى يارب ..أقولك: أبوكي هينتظرك قدام الجامعة بعد ساعتين، وهيرن عليكي، جايبلك معاه مصاريف...وأكل....

-
 ربنا يبارك لى فيكم، أمّا أمّا أمـ فجأة انقطع الاتصال، 

-
ألو ألو,..

سأل الوالد الأم : فيه إيه؟

- لا باين مفيش شبكة، عشان هي في العربية..

أعدّ الوالد عدته، وذهب مفتخرا بلقاء ابنته، حاملا معه قلبا ينبض بالحنان
- رايح فين ياحج ؟

في اعتزاز رد: مشوار لغاية الجامعة ؟

- أكيد رايح تشوف رحمة، أمانة عليك تسلملنا عليها، وتقولها تنزل أجازة قريب، دى وحشتنا.

- يوصل إن شاء الله، سلام عليكم.

 جلس بالقرب من الجامعة بجلبابه البلدي وعمامته ناصعة البياض، يتفحص وجوه 

المارة، ، وبينما الأفكار تتزاحم في عقله، راسمةً صورة لفتاة المستقبل التي انتظرها 

طويلا، قاطعه رنين محموله الخاص ( إلهي أنت تعلم كيـ.... بلهفة العاشق رد:
-  ألو ألو إنتي فين؟
.....
.....
ما لك...أنا قدام الجامعة....قدامك كتير...

في صوت يشبه النحيب....يا حج أحنا في المستشفى... البقاء لله..تعال استلم.....
لم يتمالك نفسه فسقط أرضا ، فلما أفاق وجد نفسه أمام بنته، احتضنها بذراعيه التى ترتعش خوفا وقلقا...وفي حالة هستيرية: رحمة.. رحمة ردي علي يا بتى أنا أبوك... جايبلك فلوس.. رحمة... جايبك الأكل اللى بتحبيه... رحمة.. أمك ..خالتك... صحابك ..هي ليه مش بترد...هي صح ما...لاااا...رحمة لسه عايـ..... ردي عليا يا بتااااااااااااااااااااااااااي.
وفي  شفقة ضمّه أحدهم بين أحضانه ، ولسان حاله يردد : يبدو أننا سننتظرالرد طويلا.....طويلا......


.






الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

نهايات مفتوحة


بلغني أيها الملك السعيد أن هناك شخصا عزم على فراق امرأة في غاية الحسن والدلال، لكن يبدو أن الفراق هو قدر المحبِّين،
 لم يتمالك نفسه، فذهبَ في رحلة للتأمل،علّه يصل إلى حقيقة ما، لكنه اكتشف أنها قبل رحيلها  قد وزعتْ ظلالها في كل الأنحاء؛ فوق غصن شجرة يهتز مترنما باسمها، على صفحة ماء، في عيني عصفور،رحيق وردة ، إبتسامة طفل، نظرة عجوز، ضحكة غانية.....
سألَ نفسه متحيرا : كيف أسيطرت على حياتي دون أن أدرى، وأنا الذي…..؟ !!!!
 تذكر الماضي وغاص في دفاترها التي تركتها، فلما قلّبَ  الصفحات في محاولة لحل اللغز ، ظنَّ من السطور الأولى أنه قد فهمها،
لكنّ سطور النهاية كانت بمنزلة صفعة ، جعلته يفيقُ على صوت يعنّفه :" كن واقعيا فالخيال لا يدووووم"،عندها مزّق الدفاتر ، تاركا أمامه بعضا من تلك التي تحمل سطور النهايات، علّه يفهم مغزاها في يوم ما...نعم ….في يوم ما ....
- سيدي هل سيفهم ؟!!
 - ربما ، لكن ماذا عن سطور النهايات...؟

وهنا أدرك شهرزاد الصباح.. فسكتتْ عن الكلام المباح.

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

عامل نظافة


 توقفت السيارة فجأة، فلمّا نَظَرَ علي من نافذتها، التقطتْ عينُه صورةً لعاملِ نظافة، مظاهر الشقاء واضحة على وجهه المسحوب، مع حمرة ربما كانت من أثر الشمس، وشعر غزير فاحم السواد، يحمل كلَّ هذا رقبةٌ طويلةٌ، لها عروق تصرخ مستغيثة، كل صرخة تحمل لعنةً في وجه حاملها.
وبينما هو في تأملٍ لجزئيات الصورة، تساءل متحيرا:  لماذا ينظرُ هذا العامل إلى الآخرين هكذا ؟!!، ما الرسالة التي يريد إرسالها بهاتين العينين الذائغتين؟!!!، نعم هي رسالة ربما ملابس عمله تحمل جزءا منها :( بذلة زرقاء مفتوحة من جهة الصدر، في منتصفها شريط أصفر، مع حذاء أكل الزمان عليه وشرب ، ممسكا بيده جردل ماء، وفوطة (هههه خلى بالك من  العهدة) .
انظر إنه يتجه إلى مدخل إحدى الهيئات الحكومية، يا له من مدخل كبير، له ضلفتان مصنوعتان من الحديد، على جانبيه عمودان من الرخام . أرأيت إنه يقوم بغسل العمود الذي في الجهة اليسرى، يحتضنه و كأنه يبثه شكواه، يُدخل يده في الماء المخلوط بالكلور، ثم يمررها على الرخام، من أعلى إلى أسفل، والعكس.. ما هذا النشاط الذي أراه، إنه يتصبب عرقا ، هل هو راض عن عمله ؟..وإلا.. (لماذا سكتَّ أيها الفيلسوف) ، ها هى السيارة تعمل من جديد.

 ظل يفكر فيما رآه من أمر العامل ، وبركان من الأسئلة يكاد يفجر رأسه: تُرى هل هذا الرجل متزوج ؟، أ معه أولاد؟، أهو سعيد بعمله؟، أراتبه يكفى  لمعيشته؟، هل يكافئ على نشاط كهذا؟، ( خليك في حالك يا عم الغندور). ربما كان نشاطه نابعا من إيمان صادق بقيمة ما يعمل..ليتني مثله ..أنا هههه "علي" ..وأيّ علو قصدتَّ من اسمي يا أبي؟.. حتى في الأسماء نحن مجبرون علي قبولها، سامحك الله يا أبي ، أنا المعذب دائما أعيش في أوهام وخيالات ستقضي علىّ في يوم ما ...أجرى وراء طموح زائف، ما هو؟ ، لست أدرى...كاد يُجن من سيل الأسئلة المتدفق في ذهنه، أنقذه من جبروته صوت السائق يصرخ:
الشئون الاجتماعية يا حضرات.....انزلوا بسرعة.
   نزل من السيارة مستسلما، وهو يردد بيت الشعر الوحيد الذي حفظه منذ صغره :" دع الأيام تفعل ما تشاء=== وطب نفسا إذا حكم القضاء".................
   

المجموعة القصصية " دموع وشموع" للكاتب مجدى شلبى على سبيل التقديم بقلم محمد هندى

            

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم النبيين ، سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- وعلى صحبه الغر الميامين .
                        وبعد،،،،
    فالعمل الأدبى عمل وليد التجربة الإنسانية التى يمر بها المبدع ، والتى سرعان ماتتحول إلى تجربة أخرى يمكن أن نطلق عليها التجربة الفنية ؛ أى أن الذات المبدعة يتقاسمها طرفان ؛أحدهما إنسانى موضوعى ، والأخر فنى شكلى ، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ،  فالتجربة الإنسانية تظل حبيسة فى وعى صاحبها إن لم تجد صياغة فنية تتزين بها ، هذه الصياغة هى ما نسميه التجربة الفنية ، ونطلق عليها لفظ تجربة ؛ لأن المبدع يعايش فيها لغته ويقدمها لنا فى شكل جديد ، نرى من خلاله رؤيته لذاته أو للحياة بصفة عامة.

     بين هاتين التجربتين كانت " دموع وشموع "  للأديب مجدى شلبى ، تلك المجموعة  القصصية التى تنتمى إلى فن القصة القصيرة جدا، ذلك الفن الذى  يمثل اليوم ساحة كبيرة ، ينسج فى فضائها كوكبة من الكتاب المجيدين ، بغض النظر عن الموقف النقدى الذى ربما ينظر إلى فن القصة الحديثة من خلال عيني الرواية والقصة القصيرة . جاءت القصة القصيرة جدا لتعلى من حرية الكتابة  طالما كان هناك دافع وراء ذلك، فالأصل - من وجهة نظرى-  ليس بكون العمل قصة أو رواية فهذا أمر شكلى  ربما يختلف فيه النقاد ، إنما الأصل ماذا قدم لنا هذا العمل ؟ ، وإن كان هذا السؤال تقليديا إلا أنه –فى تصورى-  سيبقى دائما له اليد الطولى فى عملية الإبداع.فعلينا أن نترك المبدع حرا فى اختيار قالبه الفنى طالما يقدم لنا إبداعا له قيمة وهدف ، وأعتقد أن فن القصة القصيرة جدا على الرغم من بساطة شكلها إلا أنها قادرة على فعل ذلك.

  و من خلال قراءتى لهذه المجموعة والتى لا تعد قراءة نهائية ، أرى  أن  " مجدى شلبى"  فى هذه المجموعة ، وفى ضوء هذا الفن عبر عن ذاته وسط تصارعات سواء كانت على مستوى الذات مع نفسها أو من حيث علاقتها بمن حولها سلبا وإيجابا من خلال موضوعات مستقاة من واقعنا المعيش كما فى : قصة فكرة التى تصور علاقة المبدع  بفكرته وقلمه ، ودونجوان ، وعزا ء ، وعبث ، ومصافحة ، وتطلع ، ووظيفة ، وأكل عيش ، وشفافية ، ورحلة ، والأمل.......إلخ.
   
    وعلى الرغم من أن هذه الموضوعات مستقاة من واقعنا إلا أنه قدمها لنا فى صورة شعرية  ؛  حين يجعل الذات تسخر وتحزن وتفكر وتتطلع ، وحين يقدم المجتمع بمفهومه العام بصورة قاسية تقتل الأمل والتطلع فى نفوس المتطلعين فى ظل غياب المصداقية والشفافية.....كل ذلك وغيره قدمه لنا " مجدى شلبى"  فى صورة شكل فنى يتناسب ومقومات القصة القصيرة جدا ، وعلى رأسها الإيحاء والتلميح ، والتكثيف ، والمفارقة ، والدهشة ، والمفاجأة ، والإيقاع الحسى والحركى . إلى جانب أنها مجموعة تجعل من المتلقى مبدعا آخر ، حين يتفاعل مع النصوص لينسج على منوالها نصوصا  أخرى موازية للنص الأم، وهذا ليس غريبا على فن القصة القصيرة جدا ، ذلك الفن الذى يجعل المبدع فى حيرة من أمره . لسان حاله يقول للمتلقى: خذ فكرة واعطنى أفكارا.

  فهى مجموعة مرة توحى باليأس والضبابية والسخرية تلك التى تجعل عيوننا تنهمر بالدموع، ومرة أخرى توحى بالأمل والتفاؤل  ، وإن كان ممزوجا بالسخرية والمفارقة ؛ لنكون أمام شموع  لكنها من نوع خاص.

    
 ما بين دموع قاسية وشموع فيها بصيص من الأمل قدم لنا " مجدى شلبى" تجربته الذاتية والفنية على حد سواء . وعملا بأن النص الأدبى ما هو إلا رسالة موجهة إلى مرسل حرصت  على أن أردف هذه المقدمة بقراءة أقرب إلى الانطباعية للكشف عن جماليات التجربة التى وضعنا أمامها " مجدى شلبى " ؛  قراءة تهدف إلى إيجاد عملية التواصل بين الرؤ ى وتقريب المفاهيم...........

الأحد، 12 أكتوبر 2014

شعرية الأدب

لن نتحدث عن المفاهيم الخاصة بهذا العالم المتشعب، فحسبنا أن نقول عنه إنه عالم يسمو بأفكارنا، صديقنا الذي نركن إليه بحثا عن الجمال في أسمى صوره....
إنه الأدب الذي تكمن جماليته فى لغته الخاصة ،
ولله در " الرافعي" عندما قال : " إذا لم تكن شجرة الورد فلا تنتظر الوردة ..وإذا لم يكن النجم فلا تنتظر الشعاع ،وإذا لم يكن البحر فلا تنتظر اللؤلو ..وإذا لم يكن الكاتب البياني فلا تنتظر الأدب......"...
-إنه الأدب المعبر عن واقعنا ،لكن فى الوقت نفسه لا يقدمه - الواقع- لنا كما هو،

إنما يقدم رؤيته الخاصة لهذا الواقع عن طريق لغته وخياله الفياض
ومن هنا قال " رينيه ويلك" صاحب مفاهيم نقدية : إن الأدب أصوات تتحدث عبر الزمن.......فالأدب يعيش بيننا بلغته الخاصة ، تلك التى تعتمد على الانزياح والإيحاء.. و قد يعتمد الأدب إلى جانب اللغة على وسائل مساعدة
كالتاريخ مثلا : لكنه لا يقدم التاريخ كما هو فى واقعة وأحداثه وتفاصيله،
إنما يقدم من خلال المبدع رؤيته الخاصة لهذا التاريخ
فيظهر التاريخ فى ثوب جديد؛ثوب أدبى إبداعى بمنظوره الخاص وهكذا الحال مع علم النفس والاجتماع...لذا عندما ندرس ظاهرة أو شخصية أدبية فإننا لا ندرسها لذاتها من حيث إنها لحم ودم ، إنما ندرسها كبنية فنية قد تكون شعرية فى قصيدة أو نثرية فى رواية مثلا....فالشخصية لا تخرج عن اللغة ؛ فإذا جٌرِدتْ منها فلن يبقى أمامنا أي شيء غير بياض الورقة.
وعلى هذا كانت المناهج النقدية المعاصرة التى نادت بموت المؤلف ، وينبغى التأكيد على أنه ليس الموت المتعارف عليه أو إلغاء المؤلف نهائيا ، لكن المقصود التقليل من دورة فى تفسير النص والاتكاء على النص ذاته ، كما في شعرية الخطاب والدراسات العلاماتية ونظرية التلقى واستجابة القارئ كرد فعل على المناهج أو الطرق التقليدية التى تنظر إلى العمل الأدبي على أساس مرجعيته التاريخية والاجتماعية الصرفة...تلك الطرق التي تجعل المبدع قبلتها الأولى في تفسير النص..
وبناء على ما تقدم نقول :
- إن " صلاح الدين" فى كتب التاريخ ليس هو " صلاح الدين" فى رواية أو قصيدة ،، حتى وإن كان هناك تشابه مثلا ،فهذا أمر طبيعى لكنه تشابه جزئي ..

-كذلك الحارة المصرية في الواقع تختلف عن الحارة التى أبدعها " نجيب محفوظ." فى أعماله.

- وزرقاء اليمامة التى رأيناها عند الشاعر الكبير" أمل دنقل " فى" البكاء بين يدى زرقاء اليمامة " ليست هى التى حدثتنا بها الأخبار والقصص التراثية.....

- والقدس التى تغنى بها " تميم البرغوثى" فى " قصيدة القدس" ليست هى القدس بحذافيرها الموجودة فى الواقع ..فقدس " تميم " تتكلم وتغضب وتشم وتتحاور وتتعاطف مع الآخرين وتحنو عليهم....

ومن هنا كانت شعرية " جاكبسون" والتى تهتم بأدبية النصوص ؛ ما الذي يجعل من نص ما نصا أدبيا، فلا شئ خارج اللغة.
لذا على الناقد والباحث أن يكشف جماليات النص في ضوء: كيف رأى المبدع لغته؟وكيف عايشها ؟،،
ومتى وصل إلى ذلك عندها سيصل إلى المغزى الفكرى للنص المقدم.

السبت، 27 سبتمبر 2014

ليتكَ ما قلتَ !!!

راح يتصفح صفحته الشخصية أولا، مراجعا ما بها من تعليقات، بعد ذلك راح يتصفح صفحات الأصدقاء،فجأة توقف عند الدردشة، فوجدها " أون لاين"، طار قلبه فرحا، وعزم على أن يواجهها، ويحدثها بكل صراحة، فكر في نفسه؛ باحثا عن العبارات التى سيخاطبها بها، وعندما أعدّ نفسه لمواجهتها، ذهب مؤشر فارته مسرعا إلى صفحتها،طارقا بابها :
السلام عليكم، كيف حالكِ؟.

جاءه الرد في سرعة
-الحمد لله، كيف حالكَ أنت؟، أين كنت منذ فترة؟
موجود، لكني أعيد ترتيب بعض الأشباء في حياتي.
اممممم، وهل رتبتها؟.
ربما، هل تسمحين لي بكلمة، أود قولها لك؟.
-
تفضل؟.
أصلي مش عارف أبدأ من أين ؟،أنا فكرت كثيرا قبل اتخاذ هذا القرار، وقلت أكيد حضرتك هتشاركيني فيه؟.
أنا ، أنا!!!! ،أصلي ، أشوف!.
مش عارف ، بس حضرتك عارفه اللى أنا عاوز أقوله.
تأخرتْ في الرد، وراحتْ تفكر في نفسها قائلة : " أخيرا أيها العنيد، ستقولها ، فلطالما انتظرتها منك، لكني هذه المرة لن أتركك،لن أتركك، ثم تظاهرت بعدم معرفة مقصده،قائلة له: لا اأعتقد أن الأمر يخصني.
كيف لا يخصك، وأنت محوره بصراحة أنا عاوز أقولك.....
أيوه سكت ليه ....قووول.... لا تتردد، أسمعك جيدا ، تشجع......
وفي حماس خاطبها قائلا : أنا عاوز أقولك ياريت متفهمنيش غلط، ومتعلقيش على صفحتى مرة أخرى.،فاهمة والا أكرر تاني.
جاءه الرد أوف لاين.

الخميس، 25 سبتمبر 2014

ضحية

كعادته كل يوم يذهب حامد إلى جامعته بعد الظهر ، يتأمل كل شيء حوله ،لا يرى شيئا دون  تعليق، هى طريقةٌ أعتاد عليها. 
 في طريقه يرى سيارات فارهة تدل على أصحابها، وأخرى تآكلت بفعل الزمن، تحتاج إلى من يدفعها لا من يقودها.، وشباب قد ضاع في غياهب الجب- الزمن- ، معايير قد انقرضتْ ، سُباب هنا وهناك ، يفكر في كل ذلك، لكن مثل كل مرة لا يجد تفسيرا. 
في إحدى المرات وقع بصرُه على امرأة وطفلين صغيرين يجلسون بجوار رصيف يرثى لحاله ، رآها تمد يدها ، وبطبيعة الحال هناك من يشفق عليها ويعطيها وهناك من يقول لها : الله يسهلك ، وآخرون يرددون بين بعضهم: عارفين دى معاها ومعاها ، دى أغنى منينا ياعم !! 
  وسط هذه الأفكار المتطايرة في رأسه، أخرج من جيبه جنيها وأعطاه لها ، سمعها تقول : ربنا ما يزلك لحد ..يا لها من كلمات لها وقع كمطرقة من حديد وقعت على رأسه ، رثى لحالها، فهي امرأة كأنها لا تعرف للطعام بابا ، شاحبة الوجه ، ترى قسوة الزمن مرسومة على تجاعيد وجهها ، كلُّ تجعيدة تحكى لك عن فترة في حياتها ، في عينيها -الواسعة- نهم الحرمان ، ويد لها عروق كفروع شجرة لم ترو منذ زمن ، يكسو كل هذا فستان أسود لم يغسل منذ سنين.... 
لسان حاله يصرخ قائلا: ارحمينى ،..وبجوارها طفلان صغيران ناما على الرصيف كحمامتين مذبوحتين،  في ملابس مهترئة وأقدام متسخة ، وبشرة تشبة الرصيف الذى ينامان علية، ينظران إليك وحالهما يقول لك : ما ذنبنا ؟، جائعون ، ارحمونا..ياه من لهولاء الصغار، أهم بناة المستقبل كما ينادون في كل مكان، في نعرة كاذبة (نهتم بأطفالنا لأجل حياة كريمة فهم بناة الغد)هأ هأ هأ ..
 
 وصل إلى جامعته، وبعد أن أنهى محاضراته، خرج عائدا إلى البيت، وبالطريقة نفسها أخذ يفكر في كل ما يرى ، وتذكر المرأة والطفلين، وقد ظن أنه لن يراهم مرة أخرى ولعن الزمن وكل شيء أدى بهم إلى هذا المصير ، وكادت سيارة تصطدم به ، لكنه سمع من بداخلها يقول له معتذرا:
 sory  مش قصدي والله.حصلك حاجة .. وأشارت بيدها باي باي .
رد (بسخرية شديدة ) وبصوت عال : باي باي ..
وصرخ وكأنه في مشهد تراجيدي يقوم بتمثيله على خشبة المسرح: أنا أيها العالم مخطئ وغبي، لماذا أتعبُ نفسى في التفكير ؟ ألم أكن منذ قليل سأقع ضحية لباي باي ،أشهدك أيها العالم أني برئ من الذين يفكرون في الآخرين ، ما حيلتي وما ذنبي، وأخذ يردد في طريقه كأنه مجنون باي باي ياعم باي ، ازيك ياحامد ، باي باي يا عم باي ، ، هاقبلك الساعة 11 باي باي يا عم باي ، خليك على جنب يا عم ، باي باي يا عم باي 
فجأة وقع أمام المرأة والطفلين إثر صدمة سيارة له، التف الجميع  حوله، وسمع صوتا من داخل السيارة يقول له: إنت تاني مش.... نظر إلى المرأة والطفلين قائلا : باي باي ...يا عم باي

الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

حوار شعري افتراضي

كان هذا الحوار مع الناقد والباحث المغربي الدكتور/ محمد أسليم.....حول الشعر وعلاقته بالفلسفة والأسطورة والجنون والخطابات الأخرى ، مع محاولة إيجاد حل لإشكالية التلقي المعاصر لكينونة الشعر وتذوقه، فالشعر سيبقى دائما هو المعبر عن فيض المشاعر، والذات المبدعة في شقيها الفردي والجمعي ،
إليكم الحوار:

د .محمد أسليم : يتاخِم الشعر الفلسَفةَ، إذ يُسَائل كلَّ شيء وَيُشكك فِيه، لَكنَّه يَنْأى عَنهَا بإحْجَامِه عَن بناء نظريَات وعَن مُخاطبَة العقل وَحْده، ويُتاخم الأسْطورة، إذ يَعُودُ إلى أزْمِنَة البدَايَات، لكنهُ يبتعِد عَنهَا بتجَاوُزه تفسير أصُول الأشيَاء إلى إعَادَة خَلقها، وَيتاخِم الجُنونَ، إذ يَنزَاحُ عن اللغَةِ العَاديةِ لكنهُ ينأى عَنهُ بارتِبَاطِه بالمُتلقِّي بِميثَاقٍ ضمْنيَ أو صَريح.

هندي : فلسفة -جنون- وهم- خيال- بحث عن ذات- أفكار - وصراعات..كلها رؤى تعبر عن صورة واحدة ألا وهى صورة الإنسان الباحث عن جوهره أو الباحث عن الإنسان عبر رحلته الأبدية ، من هنا يأتي الشعر وسيلة للوصول إلى ماهية هذا الإنسان المتعدد الرؤى والزوايا؛ محددا مكانه وموقعه من عالمه ، وكذا علاقته بالآخر المتعدد: الذات النفسية والذات الجماعية. الشعر يعطى حرية لصاحبة بأن يعيش عالما يسمو فيه على روح كل الأشياء، لذا يشعر الشاعر أنه مختلف عن غيره وأن عالمه يتشكل حسب رؤيته التي يؤمن بها،لكنه من خلال مثاليته يصطدم بواقعية دوما تعمل على اغترابه وكسره. حقا... الشعر يتاخم الإنسان من حيث كينونته الإنسانية.

د.أسليم :إذا جاز أن نشبه الشعر بإله، فسيكونُ بمنزلة الرب خالق أنواع الخطاب الثلاثة التي ذكرتُ، وتكون منزلتها قياسا إليه تشبه منزلة قدماء المتصوفة القائلين بالحلول قياسا إلى الله، فيكون هو [الشعر] هي [الفلسفة والأسطورة والجنون]، ولكنها ليست هو، وتكونُ هي هو، لكنه ليسَ هي... وإن شئنا الابتعاد عن هذا التشبيه الموغل في التجريد أمكن القول بكل بساطة: الشعر هو:
أ‌) إما إقامة أو موطنٌ مجاورٌ للأسطورة والفلسفة والجنون، أي أنه بمثابة كيان بارز، إن شاهدناه عن بُعد تراءت لنا حدوده جلية وواضحة، لكن متى اقتربنا منه أو دخلنا إليه، تغير الأمر وصار، بمدى الاقتراب من حدود كل جار من جيران الشعر الثلاثة، يتلاشى الفرقُ بينه [الشعر] وبين جاره،
ب‌) أو أنه ليس بإقامة ولا بموطن مستقل - يقع بين – أو ينفصل عن - الأسطورة والفلسفة والجنون، بل هو كيانٌ مجرد، بمثابة نهر، ينبع من هذه المصادر ويصب فيها في آن واحد. لكنه مع كونه جوهرا مجردا، فهو ملموس ومُشاهدٌ محسوس، هو هذه القصائد التي يبدعها الشعراء، فيكتبونها أو يلقونها علينا، بل وينشرونها في كتب ورقية أو وسائط رقمية...
بهذا المعنى، قد يكونُ الشعرُ هو خلط لأوراق الوجود، إن صح التعبير، فيكونُ مما يمكن أن يُزعج ويُقلقُ، كما يمكن أن يكون مما يُفرحُ ويُسعدُ، وتكون إحدى وظائفه هي أنه يضعنا بين المرئي واللامرئي، الملموس والمجرد، المحدود واللامحدود، اللامتناهي الصغر واللامتناهي الكبر... وبقدرته على هذا الربط، فهو يسبق العلم، ويتجاوزه، بحيثُ يصيرُ أفقا لهُ. وبذلك قد يكون الخلط الظاهري لأوراق الوجود هو في الواقع كشفٌ لوحدة الوجود العميقة التي بمقدر توغلنا في العودة إلى الأزمة الماضية تبدو جلية، وبمقدار ابتعادنا عن تلك الأزمة السحيقة واتجاهنا نحو الحاضر تبدو [تلك الوحدة] مفقودة... ألا تعمل إحدى النظريات العلمية، وهي نظرية الأوتار، منذ عقود طويلة على إيجاد ما يسمونها بنظرية الكل La théorie du tout، أو المعادلة الرياضية، التي توحد بين قوانين العالم اللامتناهي الكبر التي بدأ صياغتها إسحاق نيوتون وأكمل وضعها أنشتاين، وبين قوانين العالم اللامتناهي الصغر مجال ميكانيكا الكم وفيزيائه.

محمد هندي : ولم لا نقول إنه مرآه تمتص ما حولها وتستفيد منه وتعمل على تجميعه في بؤرتها ثم سرعان ما تقدمه في إشعاع جديد لكن بروحها الشعرية المميزة، وهذا لا ينفى أن لكن خطاب خصوصيته لكن ليست كل الخطابات قادرة على الاستفادة من غيرها.......هذ ا يعنى أن الشعر مرتبط بذات، هذه الذات روافدها متتعدة لذا من الطبيعي أن يستمد روافده منها...

د. محمد أسليم : ورد جزءٌ من هذا في كلامي السابق، لكن في الاكتفاء بتعريف الشعر على أنه كيان ينبع من خطابات مجاورة (الأسطورة والفلسفة والجنون، أساسا) مُجازفة باعتباره ينحدر منها، وأنها أصول له، والحال أنه يمكن أن يكون أصلا لهذه الخطابات الثلاثة، فتمتح بدورها منه. ألم يلتبس فكر نيتشه على الفلاسفة وفقهاء اللغة، فاعتبره الأوائل أديبا واعتبره الأواخر فيلسوفا، وكانت بداية مشواره الفكري فقه اللغة تحديدا، إذ اشتغل أستاذا جامعيا لهذه المادة، وكان هذا الحقل المعرفي يُعنى آنذاك بدراسة الأساطير أساسا؟؟؟ هذا مجرد مثال.

محمدهندي: هل يعنى أننا أمام علاقة معقدة متشابكة ؟

د. محمد أسليم : في غاية التعقيد وفي منتهى الوضوح في آن واحد!!! ويصير الأمر في غاية التعقيد أو في غاية الوضوح بحسب الموطئ الذي نضع فيه قدمنا، أو النقطة المرجعية التي نستند إليها، أو والمنظور الذي نرى الأشياء منه

محمد هندي: إّذا هذا ما يجعل للشعر مذاقا خاصا وبحرا لا يركبه إلا من يعى طبيعة أمواجه وعيا جيدا........

د. محمد أسليم هو البقية المتبقاة من إنسانيتنا (طور الانقراض؟؟) المنحدرة من عصور موغلة في القدم، يمكن الصعود بها إلى أيام كنا ذرات في الفضاء وغبارا في سديم...، والتي وحدها اللغة الشعرية، من منظور وحدة الشعر واستقلاله، تقوى على استحضارها والتعبير عنها.

محمد هندي :ربما يكون الشعر الرقمي فيما بعد تعويضا لانسانيتنا المنقرضة ؟.....وإن حدث هذا أرى أن ذاتيته ستكون جامدة..خاصة بما يتحه الفضاء الرقمي....لننتظر........

د. محمد أسليم: ربما يكون الشعر الرقمي فيما بعد تعويضا لإنسانيتنا المنقرضة ؟.....وإن حدث هذا أرى ان ذاتيته ستكون جامدة..خاصة بما يتحه الفضاء الرقمي....لننتظر.........»، فاتني هذا السؤال، لأنه وجيه ومما يقتضي قول كلمة فيه، بطرح أسئلة وصياغة فرضيات سبق أن أوردتُ بعضها في معرض التعقيب عن إدراج لي سابق، يتناول مسألة الشعر والتكنولوجيا... سأجيب عنه لاحقا، وربما أعدتُ نشر هذا الحوار في موقعي الشخصي. إلى هناك، 

محمد هندي: لكن أستاذنا اليوم حتى في دراستنا الجامعية هناك فجوة بين المتلقين وطبيعة الشعر فما سبب ذلك ؟ هل هذا راجع إلى طبيعة العقلية الثقافية اليوم حتى أن الكثيرين يجدون معاناة في فهم قصيدة مثلا سواء أكانت تقليدية أم معاصرة خاصة أن المعاصرة تلجأ في كثير من الأحيان إلى استدعاء التراث أو الأساطير وغيرها من النصوص الموازية تحت مسمى التناص أو التفاعل النصي ؟ ما سبب هذه الفجوة وما حلها........؟!!

د. محمد أسليم :في نظري المتواضع، هي واحدة من آفات تشبه الدراسات الأدبية بالعلوم واستعارتها مناهجها منها. ومناهج العلوم كانت وليدة استقلالها عن الفلسفة والإنسانيات عامة، وبقدر ما أبان هذا الاستقلال عن فعاليته تحول إلى محرك لتطور العلم، بحيث صار تقدمه، بل وبقاؤه، يتوقف على هذا التجزيء، إلى أن ظهرت تخصصات عديدة داخل التخصص الأب الواحد، وستظهر أخرى بالتأكيد. ربما يجوز أن تقترض الدراسات الأدبية مناهج العلوم، لكن إلى حدود معينة. وليس حرفيا... وباختصار، لتذليل المعاناة المصادفة في تلقي الشعر، قد يتعين عدم الاكتفاء بتدريس تاريخ الأدب والمدارس النقدية والمناهج الأدبية لطلبة كليات الآداب، فإلى جانب ذلك، يجب تدريس الأساطير وتاريخ الأديان وعلوم مثل الفيزياء والفيزياء الفلكية والبيولوجيا، الخ... بمد جسور بين الآداب والعلوم، أي دون تذويب طلبة الآداب في العلوم، فيكتفي بأن يؤخذ منها ما يفيد الأدب. فليس طلبة الآداب بمطالبين بتشخيص أمراض ولا تحرير وصفات أدوية، ولا هم آيلين إلى اكتشاف نجوم جديدة...

محمد هندي : بالفعل أستاذنا إن أردنا فهم هذا الفن علينا فهم أرضيته أولا وهذا هو لب الموضوع ، طلابنا اليوم يقرؤون القصيدة ولا يعرفون أنها نتاج ثقافات متتعددة إن اردنا فهمها جيدا فعلينا فهم هذه الثقافات لذا يحضرنى قول صلاح فضل عندما وصف الشاعر المتمكن بأنه ذلك الشاعر الذي يتميز بالموهبة والاطلاع على الثقافات والتجارب الأخرى كي يثقل تجربته الشعرية مقدما إياها في تركيب لغوي مناسب.....
سعدت بالحوار معك كثيرا أستاذنا الفاضل...تلميذك
بتاريخ :..2014....مايو